روائع مختارة | قطوف إيمانية | نور من السنة | الهدي النبوي في تربية الأبناء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > نور من السنة > الهدي النبوي في تربية الأبناء


  الهدي النبوي في تربية الأبناء
     عدد مرات المشاهدة: 2671        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد..

فإن الله تعالى امتنَّ علينا بنعمة الذرّية، وحذَّّرنا من الافتتان بها فقال: {إنّما أموالكم وأولادكم فتنة}، وانتدبنا لنأخذ بحُجَز أهلينا عن النار فقال: {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً}، وذلك من حقّ أهلينا علينا، وتمام رعايتنا لهم، وكلنا راعٍ ومسؤول عن رعيته كما في الحديث.

ولأداء أمانة الرعاية لابد للأبوين من الحرص والعمل على تعليم الأبناء وتربيتهم، ولا يفوتهما أنهما محاسبان على التهاون والتقصير في ذلك.

فقد روى الترمذي وأحمد وغيرهما بإسناد صحيح، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِى يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: «أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟»، ‏ قَالَتْ: لاَ، ‏ قَالَ: «أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟،‏ قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عز وجل وَلِرَسُولِهِ.

والشاهد هنا أنّه رتب العقوبة على الأم وليس على البنت التي لبست المسكتين في يدها، ولعل هذا لإقرارها على المنكر أو تسببها فيه.

والتربية السليمة تبدأ منذ نعومة الأظفار، قال الإمام الغزّالي رحمه الله في -الإحياء-: ممّا يحتاج إليه الطفل أشد الإحتياج الإعتناء بأمر خُلُقه، فإنّه ينشأ على ما عوّده المربي في صغره من حَرَدٍ وغضب لِجاجٍ وعَجلةٍ وخفّةٍ وهوىًَ وطيشٍ وحدّة وجشع، فيصعب عليه في كِبره تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخةٍ له، فإن لم يتحرّز منها غاية التحرّز فضحته لابد يوماً ما، ولذلك نجد أكثر الناس منحرفةً أخلاقهم، وذلك من قِبَل التربية التي نشؤوا عليها.

وقال الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوّده أبوه

وقد قيل: العلم في الصغر كالنقش في الحجر، والعلم في الكبر كالغرز بالإبر.

وحدّث ولا حرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التربية، لترى مدرسةً متكاملة المناهج، راسخة الأصول، يانعة الثمار، وافرة الظلال في التربية والتنشئة الصالحة، حيث إعتنى بهم بنفسه، وأوصى بهم خيراً في العناية والرعاية.

ومن عنايته صلى الله عليه وسلم بتعليم الأطفال دعاؤه بالعلم النافع لبعضهم: كما في مسند أحمد ومستدرك الحاكم بإسناد صححه ووافقه الذهبي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: إَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي أَو عَلَى مَنْكِبِي -شَكَّ سَعِيدٌ-‏ ثُمَّ قَالَ: «‏اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»‏. ‏

= ومن هديه صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال: تشجيعه على طلب العلم، وإفساح المجال أمامه لمخالطة من يكبرونه سنّاً في مجالس العلم: روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما‏ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ إِذْ أُتِىَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ فَقَالَ النَّبيُ صلى الله عليه وسلم: «‏إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ»‏، ‏ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِى النَّخْلَةَ، ‏ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،‏ ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ فَسَكَتُّ، ‏ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «هِيَ النَّخْلَةُ»‏. ‏

وروى البخاري وغيره ‏ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏ رضي الله عنهما‏ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، ‏فَقَالَ بَعْضُهُمْ قيل إنّه عبد الرحمن بن عوف: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا، ‏ وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ،‏ قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، ‏ وَدَعَانِى مَعَهُمْ، قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ....}‏ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ‏فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِى، ولَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئاً، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لاَ، ‏ قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُو أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}‏ فَتْحُ مَكَّةَ، ‏فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}‏، قَال عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. ‏

وفي حضور الناشئ مجالس من يكبرونه سناً وقدراً تكريم له، فينبغي ألا يعدِم التأدّب والتخلّق فيه، ومن أدبه في مجلسهم أن لا يُطاولهم أو يتعالم بينهم، أو يتقدّمهم بحديث أو كلام.

روى مسلم في صحيحه، أن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قال: لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُلاَماً فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ أَنَّ هَا هُنَا رِجَالاً هُمْ أَسَنُّ مِنّي.

وفي هذا المعنى يرد قول الحسن البصري في وصيّته لإبنه رحمهما الله: يا بني! إذا جالست العلماء فكن على السمع أحرص منك على أن تقول، وتعلّم حسن الإستماع كما تتعلّم حسن الكلام.

مع أنّ حسن الإصغاء والاستماع أدبٌ رفيعٌ في حق الكبار والصغار جميعاً، وقد أحسن من قال: المتحدّث حالب، والمستمع شارب، فإذا كفيت مؤونة الأولى فأحسن الإنتهال منها.

= ومن هديه صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال: تهيئته لما ينبغي أن يكون عليه، أو يصير عليه في كبره، كالقيادة والريادة والإمامة: وكفى دليلاً على ذلك تأمير رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ذي السبعة عشر ربيعاً، على جيش يغزو الروم في بلاد الشام، وفيه جمع من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وبعثه معاذ بن جبل رضي الله عنه أميراً على اليمن وهو في التاسعة عشرة من العمر.

ومن هذا القبيل ما يدل عليه ما رواه البخاريّ في صحيحه، عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أنه قال: لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ، ‏ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَقًّا فَقَالَ: «‏صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، ‏ وَصَلُّوا كَذَا فِي حِينِ كَذَا، ‏ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، ‏ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، ‏ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآناً»‏، ‏فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآناً مِنِّي، ‏لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، ‏فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، ‏وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَو سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَىَّ بُرْدَةٌ، ‏ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، ‏ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِ: أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ، ‏فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصاً، ‏فَمَا فَرِحْتُ بِشَيءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ. ‏

فانظروا رحمكم الله كيف حفظ من أفواه الركبان قسطاً من كتاب الله فاق ما حفظه بنو قومه، رغم تلقيهم عن خير الخلق صلى الله عليه وسلم، والأغرب من ذلك أنّه تصدّر لإمامة قومه في الصلاة رغم حداثة سنّه إلى حدّ لا يُعاب عليه فيه إنحسار ثوبه عن سوأته.

= ومن هديه صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال: المداعبة والتعليم بطريق اللعب: وهو من الوسائل التي تعتبرها المدارس الغربية في التربية اليوم من أنجع الوسائل وأهمها وأقربها إلى نفس الطفل وأنفعها له، رغم أن الهدي النبوي سبق إلى ذلك وقرره وشرع فيه صاحبه صلى الله عليه وسلم بالفعل، في مواقف كثيرة، من أشهرها ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً، ‏ وَكَانَ لي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ‏ -قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ-،‏ وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «‏يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»، نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، ‏ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُو فِي بَيْتِنَا، ‏ فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ‏ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا. ‏

ومداعبته صلى الله عليه وسلم لأبي عمير رضي الله عنه درسٌ عظيم يرسم منهجاً في تربية الأطفال وتعليمهم وآباءهم بأسلوب التشويق والتودد لهم، ولذلك إهتم العلماء بهذا الحديث أيّما إهتمام.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في -الفتح: في هذا الحديث عدّة فوائد جمعها أبو العباس الطبري المعروف بإبن القاصّ الفقيه الشافعي صاحب التصانيف في جزءِ مفرد، وذكر ابن القاصّ في أوّل كتابه أنّ بعض الناس عاب على أهل الحديث أنّهم يروون أشياء لا فائدة فيها، ومثل ذلك التحديث بحديث أبي عمير هذا، قال: وما درى أنّ في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجهاً ثمّ ساقها مبسوطةً.

= ومن هديه صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال: الضرب والتأديب بالضوابط الشرعيّة في التعليم: وردت في هذا الباب أحاديث جيادٌ كثيرة منها: ما رواه أحمد في مسنده بإسناد حسن عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ. ‏ قَالَ: «لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئاً وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلاَ تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلاَ تَتْرُكَنَّ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّداً فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّداً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّه،ِ وَلاَ تَشْرَبَنَّ خَمْراً فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللَّهِ عز وجل، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ، وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ وَلاَ تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَباً وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ». ‏

وما رواه الشيخان عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ‏ رضي الله عنهما‏ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏ رضي الله عنها‏ وَهْىَ خَالَتُهُ،‏ قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ عَلَى عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، ‏ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إنْتَصَفَ اللَّيْلُ أَو قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَو بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ، ‏ فَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ‏ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا،‏ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ‏ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى،‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ‏ رضي الله عنهما‏: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ،‏ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُني الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا بِيَدِهِ،‏ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،‏ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ‏ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،‏ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ،‏ ثُمَّ أَوْتَرَ،‏ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ،‏ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ،‏ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

= ومن هديه صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال: تعويدهم على فعل الخيرات ومنه إرتياد المساجد للصلاة والتعبد: روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: «حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعوّدوهم الخير فإنّ الخير عادة».

ولهذا القول ما يؤيده في السنّة، فقد روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ رضي الله عنه: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»‏. ‏

وقد ورد في السنّة ما يدل على مشروعية تعويد الصغار على الصيام، وصلاة الجماعة وإصطحابهم للحج صغاراً ومن ذلك: روى الشيخان عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «‏مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِراً فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِماً فَلْيَصُمْ»،‏ قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ،‏ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا،‏ وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ،‏ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ، قال ابن حجر: في الحديث حجة على مشروعيّة تمرين الصبيان على الصيام.

وروى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أن النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم لَقِي رَكْباً بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: «مَنِ الْقَوْمُ؟»، قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْت؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ»،‏ فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ»‏. ‏

وروى ابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وأبو داود بإسناد صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعي إلى طعام، فأكل منه ثم قال: «قوموا فلنصل بكم»، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس، فنصحته بالماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت عليه أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين ثم انصرف.

وليس المقصود تعويدهم على صلاة الجماعة في البيت إلا أن يكون ذلك في النوافل، كالركعتين التين أم النبي صلى الله عليه وسلم فيهما الغلامين والمرأة، وهذا هدي نبوي شريف.

= ومن هديه عليه الصلاة والسلام أيضاً: ربط الأبناء بالمساجد وتوجيههم إليها، بل كان يذهب أكثر من ذلك فيتجوز في صلاته، مراعاة لحال الصبية الذين تصطحبهم أمهاتهم إلى المسجد.

روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِى قَتَادَةَ رضي الله عنه: عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا،‏ فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبي، ‏فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّه»‏. ‏

وروى النسائي بإسناد صحيح، عن عبد الله بن شدّاد رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بين الناس حتى ظنوا أنّه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته، سألوه عن ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام-: «إن ابني إرتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته».

فالمسجد إذن روضة يجتمع فيها الصغير والكبير، ويرتادها الرجل والمرأة، وإن كان بيت المرأة خير لها، وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم في إرتيادها يستبقون الخيرات فيذكرون ربهم، ويأخذون العلم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، لذلك كان المسجد المدرسة الأولى، والجامعة الأم التي تنشر العلم، وتشيع المعارف بين الناس، وهو المكان الأفضل والأمثل لهذا المقصد العظيم، وينبغي ألا يعدل به شيء في تعليم الناس والدعوة إلى الله إلا لضرورة.

وما تنكبت الأمة ولا امتهنت علوم الشريعة، ولا جفّت منابعها إلا بعد أن أغفل دور المسجد في التعليم.

يقول ابن الحاج الفاسي رحمه الله في -المدخل-: ... والمقصود بالتدريس، إنما هو التبيين للأمة، وإرشاد الضال وتعليمه، ودلالة الخيرات، وذلك موجود في المسجد أكثر من المدرسة ضرورة، وإذا كان المسجد أفضل، فينبغي أن يبادر إلى الأفضل ويترك ما عداه، اللهم إلا لضرورة، والضرورات لها أحكام أخر.

وقبل إصطحاب الطفل إلى المسجد يحسن تعليمه وتأديبه بآداب دخول المساجد.

سئل مالك: عن الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد أيستحب ذلك؟ فقال: إن كان قد بلغ مبلغ الأدب وعرف ذلك، ولا يعبث فلا أرى بأساً، وإن كان صغيراً لا يقَر فيه، ويعبث فلا أحبّ ذلك.

وبسط البحث في هذه الآداب وما يتعلّق بها من أحكام، لو إسترسلنا فيه لتشعب بنا البحث وتفلتت أزمّته منّا، وهذا يتنافى مع الوقت المتاح لتقديم هذه المقالة.

لذا نكتفي بهذا القدر، من هديه صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال، ونكل إتمام البحث إلى عزائمكم وأنتم أهل للبحث والمتابعة كما يظن بكم.

وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الكاتب: أحمد بن عبد الكريم نجيب.

المصدر: موقع المختار الإسلامي.